Wednesday, February 21, 2018

الرد على الدكتور عدنان 1


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته



قبل أكثر من أسبوع أرسلت مقالتي السابقة التي كتبتها عن الأرض المسطحة للدكتور عدنان إبراهيم و الحمدلله أن الدكتور تكلّم في المسألة و يبدو أن ما دفعه إلى ذلك بعض المقاطع المنتشرة على الشبكة. و انتهيت اليوم من خطبته، و أنا أستمع إلى خطبة الدكتور العلاّمة شعرت بشيء من الحزن و الأسى و لكن كان يدافع ذلك الشعور شيء من السعادة و الفرح. سبب حزني أن عالم مثل الدكتور عدنان إبراهيم أتى في خطبته ما كان ينهى عنه في خطبه الأخرى و اتبع نفس المنهج العاطفي الذي يستخدمه منتقدوه ضده و الدكتور يحفظ البيت الشعري المشهور لا تنه عن خلق و تأتي بمثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم“!  و ما جعلني أشعر بالأسى أن الدكتور يُخيّل إلي أنه لم يُحقق المسألة و يتعمّق فيها و يعطيها حقّها في البحث و هذا جلي من المعلومات التي أتى بها في خطبته.



أما الشيء الذي جعلني سعيدا هو خطبته، فإني بعدما بحثت المسألة كنت أقول في نفسي ليس هناك أية عقبة أمام النتائج التي توصلت إليها أنا و كثيرون غيري إلا عبقرية و علم الدكتور عدنان إبراهيم. صحيح أن الدكتور عدنان إبراهيم ليس الأعلم في العلوم الكونية و ربما ليس الأعلم في العلوم الشرعية إلا أنه عالم جمع الكثير من العلوم و هو عالم موسوعي بحق و بحر في العلم و إنسان مثله يحسب لرأيه ألف حساب و ليس بعيدا أن يُلقّب بالمجدد. و لا أعرف شخصيا عالما مسلما مشهورا اليوم عنده من الصدق و العلم و قوة الإقناع يستطيع أن يجاري خصومه في هذه المسألة إلا هو و أحسب أن الرجل أوتي من الخصال الثلاثة التي ذكرتها الحظ العظيم و من أجل ذلك كنت أنتظر خطبته بفارغ الصبر.



لطالما كنت أقول في نفسي إن تكلّم الدكتور عدنان إبراهيم في المسألة فلابد أنه سيأتي بأشياء جديدة خفيت علي أو حجج قوية يصعب علي ردها لكن ما أتى به رد تقليدي متواضع جدا! لأي شخص من الذين يميلون لفكرة الأرض المسطحة يمكن أن يرد عليه إن كان لديه علم يسير في العلوم الكونية و الشرعية. باختصار الذي أريد أن أقوله أن أقوى رد كنت أترقبه تبين لي أنه ضعيف جدا و هزيل، و بهذه الخطبة ازداد يقيني بما اخترته لنفسي فجزاه الله خيرا على كل حال و في كل يوم إلى الأبد. و قبل البدء في الرد على الدكتور أحب أن أنوّه أن الردود على الأدلة العلمية و التجارب التي أتى بها لن أتطرق إليه، لأن كلها عندي ضعيفة و واهية ثم إنه لمردود عليها في مقاطع و مقالات كثيرة بل حتى في الكتب فلا أريد أن أضيع وقتي في ذلك إنما يهمني الأدلة السمعية أو النقلية لأن الرد على كل واحد منها بحاجة إلى مقال بحجم هذا المقال أو  أقل قليلا أو أكثر.



دعونا نبدأ و أقول أولا الدكتور عدنان إبراهيم حفظه الله اختار لنفسه في منهجه في الرد على الطرف الآخر بنفس الأسلوب الذي يستخدمه خصومه و هو الإرهاب الفكري. مثل: أكثر أهل الأرض انها كروية إلا فئة قليلة هم القائلون بأن الأرض مسطحةو أجمع علماء المسلمينيا رجل من أنت كيف تخالف جميع علماء المسلمين؟ و قال الإمام ابن حزمو قال الإمام ابن تيميةقال فلان و علان و ضخّم كل واحد من الذين ذكر بما يستحقونه في الحقيقة و نسي كيف أنه خالف علماء المسلمين في مسائل لم يقل بها أحد من قبله (و أنا أميل إلى أكثر اختياراته على كل حال) و كيف أن من ادعى الإجماع فقد كذبالخ و لكن الفرق أن المسائل التي كان يخالف فيها الدكتور عدنان لا يُعرف له موافق بل أكثر العلماء السابقين بخلاف ما ذهب إليه في بعض أفكاره أما مسألة الأرض المسطحة فالأمر مختلف تماما فإن هناك جمع كبير من البشر و المسلمين كانوا يقولون ذلك!



ثانيا، تلك الحماسة التي كانت ظاهرة في الدكتور و هو يدعي الإجماع و ينسبها للعلماء خالطتها معلومات خاطئة، و يكفي أن الدكتور عدنان إبراهيم زعم الإجماع ناقلا إجماع العلماء في المسألة أنه لم يبحث المسألة و يحقق فيها جيدا. فمن قال أن هناك إجماع أساسا بين العلماء أن الأرض كروية؟ لا أقصد مجرد دعوى الإجماع فدعاوي الإجماع كثيرة و يكفي فقط النظر إلى موسوعة للإجماع لإدراك الزعم الفاحش الذي كان يرتكبه بعض العلماء لنصرة مذاهبهم، فكم مرة أخطأ في تلك الدعاوي كل من ابن تيمية و ابن حزم و عدنان أعتقد أنه يعرف ذلك أفضل مني! أنا أقصد أين حقيقة الإجماع في المسألة؟



ألسنا نجد في تفسير القرطبي رحمه الله و هو يفسر آية ((و الأرض مددناها و ألقينا فيها رواسي و أنبتنا فيها من كل شيء موزون)) نقله لقول ابن عباس: بسطناها على وجه الماء؛ كما قال: و الأرض بعد ذلك دحاها أي بسطها و قال: و الأرض فرشناها فنعم الماهدون. و هو يرد على من زعم أنها كالكرة و قد تقدمهذا قول الطبري أي أنه كانت هناك آراء و ردود على فكرة الأرض الكروية. ألسنا نجد في نونية القحطاني المنسوبة للإمام القحطاني الأندلسي المعروف و المتوفى سنة ٣٧٩ ه على اختلاف و أنقل لكم الأبيات التي تعنينا:



كذب المهندس و المنجم مثله فهما لعلم الله مدعيان

الأرض عند كليهما كروية و هم بهذا القول مقترنان

و الأرض عند أولي النهى لسطيحة بدليل صدق واضح القرآن

والله صيرها فراشا للورى و بنى السماء بأحسن البنيان



أليس معروف عندكم أن ابن كثير المفسر و غيره من العلماء أن الأرض خلقت قبل السماء إنما دحيت بعدها فكيف يتوافق هذا مع نظرية المجتمع العلمي الحديث بشأن خلق الأرض. ألسنا نجد في تفسير البغوي في تفسير نفس الآية (و الأرض مددناها)) بسطناها على وجه الماء. يُمكن أن يُقال المقصود المحيطات و يمكن أن يُقال أن الأرض جميعها على الماء كما قلت أنا في مقالتي السابقة.



ثم ما معنى قول المفسرين: بسطها طولا و عرضا؟ كيف يمكن ذلك على الأرض الكروية خاصة أن المقصود هنا الأرض كاملة ليست قطعة معينة أو أرض معينة و السياق يوضح ذلك. أنا أتفق مع الدكتور عدنان إبراهيم أن معنى الأرض يختلف باختلاف السياق و هذا صحيح لكن عندما يخبر الله عن خلق الأرض و يقابلها بالسماوات و ما إلى ذلك فإن المقصود الأرض كلها ليست قطعة معينة! تخيل معي مثلا عندما يقول الله سبحانه و تعالى: ((جنة عرضها السماوات و الأرض)) هل المقصود بالأرض هنا فقط مكة أو المدينة أو أية قطعة أخرى أو أنه يقصد الأرض كلها هذا واضح و جلي و مثل هذه الآيات كثيرة في القرآن.



ثم إن كان المقصود بأن الأرض مدها و بسطها فقط للناظر فيمكن للناظر أن يقول لكني أرى الجبال و الهضاب و أن مستويات الأرض مختلفة فكيف هي ممتدة و مبسوطة؟ لن يجد الطرف الآخر مخرجا إلا أن يتعدى منظور الرائي فبهذا خرج الموضوع عن المنظور و تحول إلى كتلة كاملة فإن كان كذلك فنقول له لما توقفت عند كتلة معينة و لم تأخذ الأرض كلها. لو أنك منذ البداية فسّرت الآية بظاهرها لوصلت إلى النتيجة الحقيقية.



و نجد في تفسير ابن عطية المتوفى سنة ٥٤٦ ه عند تفسيره لقول الله سبحانه: ((و إلى الأرض كيف سطحت)) قال ابن عطية: و ظاهر هذه الآية أن الأرض سطح لا كرة، و هو الذي عليه أهل العلم، و القول بكريتها و إن كان لا ينقص ركنا من أركان الشرع فهو قول لا يثبته علماء الشرعو معروف من هو ابن عطية و قد زعم أنه لا يثبته علماء الشرع، هل كان سيخفى عليه اجماع علماء الأمة قاطبة أن الأرض كروية و يدعي هذا الإدعاء الكبير! كلا لم يكن ليفعل ذلك إلا لأنه بالفعل كذلك فيمن يقرأ التفاسير بموضوعية و يقرأ ما يقتروننها من أحاديث في تفاسيرهم فادعاء اجماع المفسرين أو مئات منهم أنها كروية غير صحيح.



و مثله نجد في تفسير الجلالين عند تفسير قوله سبحانه و تعالى: ((و إلى الأرض كيف سطحت)) ”و قوله (سطحت) ظاهر في أن الأرض سطح، و عليه علماء الشرع، لا كرة كما قاله أهل الهيئة و إن لم ينقض ركنا من أركان الشرعو معروف من هو جلال الدين المحلي، و كذلك قال الثعالبي في تفسيره. بل حتى الرازي عندما أراد اثبات كروية الأرض قال في تفسيره: ((و من الناس من استدل بهذا على أن الأرض ليست بكرة)) ثم راح يرد عليهم فهو على الأقل يثبت أن هناك خلافا في المسألة لا كما جعلنا عدنان إبراهيم نتوهم بإكثاره من دعاوي الإجماع!



و كذلك من علماء المسلمين القائلين بأنها مسطحة الإمام أبو منصور عبدالقاهر البغدادي المتوفى سنة ٤٢٩ صاحب كتاب أصول الدينو فيه قوله عند شرحه اسمه الباسط: و الباسط في الدلالة على بسط الرزق لمن شاء و على أنه بسط الأرض و لذلك سماها بساطا خلاف قول من زعم من الفلاسفة و المنجمين أن الأرض كروية غير مبسوطة


و أيضا من المؤيدين لنظرية الأرض المسطحة و القائلين بكرويتها الجغرافي المعروف سراج الدين ابن الوردي المتوفي سنة 852 ه فنجد في كتابه المعروف "خريدة العجائب وفريدة الغرائب" قوله: " فأعظم جبال الدنيا قاف: وهو محيط بها كإحاطة بياض العين بسوادها و ما وراء جبل قاف فهو من حكم الآخرة لا من حكم الدنيا" و جبل قاف مذكور في بعض الآثار و لا علينا من تحقيقها لكن ابن الوردي اخذه كسد حول جميع الأرض و هو يشبه كثيرا بعض التوجهات الحديثة للأرض المسطحة و تنفي كروية الأرض التي تسبح في الفضاء كالذرة. أحب ان انوه ان الكتاب أحيانا ينسب إلى جده القاضي عمر بن الوردي المتوفي سنة 749 ه و الجد معروف عنه أنه رسم خريطة للعالم و رسمها دائرية محاطة بالجبل المذكور. للعلم لست من أنصار وجود هذا الجبل حول الأرض لكن لا يمكنني نفيه بالكامل, اما قول بعض المفسرين انه لو كان موجودا لاستطاع الناس أن يروه أقول ردا عليه أن الأرض ممتدة امتداد لا يعلمه إلا الله و من ذا الذي ثبت وصوله عند نهاية الأرض؟ و إذا كان الشيء بعيدا غاية في البعد فلا يمكن للبشر أن ينظروا إليه حتى بالأجهزة الحديثة. الغرض من ذكري هذا لكي أقول لعدنان ان هناك من كان يؤيد الأرض المسطحة من علماء المسلمين لا كما يتوهم من كلامك في خطبتك الأخيرة. 


و للعلم من اطلع على بعض التراث الإيراني سيجد ان الأرض محيطة بسد جبلي و خلف السد تعيش الشياطين او الوحوش! ربما اغلب الشباب اليوم لا يعرفون ذلك و إلا لأسرعوا و قال انهم كانوا يعرفون مكان يأجوج و مأجوج! اعتذر عن الاستطراد و لنعد إلى ما كنا فيه.

و كذلك أبو عبدالله زكريا القزويني العالم الجغرافي المعروف المتوفي سنة 682 ه كان يؤيد الأرض المسطحة كما في كتابه "عجائب المخلوقات و غرائب الموجودات" و كيف أن الأرض محاطة بسور جبلي و أنها على ماء كوني تحت الأرض و فوق الحوت العظيم بهاموت و ما إلى ذلك. ليس السبب اثبات ذلك العجائب التي ذكرها القزويني انما الهدف من ذكري هو اثبات للدكتور عدنان أن هناك علماء جغرافيا و هيئة و رياضيات و علماء شرع و صوفية قالوا بأن الأرض مسطحة!



و كذلك الأخوان علي و محمد أبناء أحمد بن محمد الشرفي الصفاقسي كانا يعتقدان بالأرض المسطحة الدائرية الشكل و علي هو جغرافي و رياضي و فلكي توفي سنة 958 ه و محمد هو جغرافي كذلك و عالم نبات و علي هو صاحب كتاب الطبلة و ستجدون فيها خرائط أن الأرض محيطة بالماء و الماء محيط بسلاسل جبلية تحيط الأرض كلها و هذا يدعم نظرية الأرض المسطحة الحديثة و يخالف فكرة الأرض الكروية التي تسبح في الفضاء كالذرة!


4 comments:

  1. السلم عليكم ....

    دعني اضرب صفحا عما بدأت به من وصف لتناول عدنان ابراهيم للموضوع و نقاشكلدعوى الاجماع ... نعم دعوى الاجماع مشكلة و لكن هي من المسميات المطاطة العريضة .... وحين يقال من ادعى الاجماع فقد كذب يقصد بذلك الاجماع المطلق لا مطلق الاجماع .... فقول الله مثلا تدمر كل شيء بامر ربها دليل على ان الجمع قد ياتي نوعيا لا شاملا ..
    فحين يذكر الاجماع عادة لا يقصد الا يكون مخالف بل يقصد به العلماء المهمين مثلا او المذاهب المعروفه و ان ندر لهم مخالف او اكثر او العامة فلا يعتبرون طرفا في الاجماع اصلا

    فاذا قيل مثلا ان بن تيمية و عامة من هم في مرتبته او ققريبا لم ينفوا كروية الارض (لاحظ) لم ينفوا لا يعني انهم اثبتوا ذلك ... لكن في وقتهم مع ان غالب العالم كانوا يرونتسطيح الارض و انها كالرغيف مثلا الا انهم لم ينساقوا مع الراي العام ... لماذا لم ينفوا كروية الارض لانهم لم يجدوا في القرآن ما يدل دلالة قطعية على تسطيح الارض كما ترى انت

    ولذا فان قول من قال بتسطيح الارض كعبدالقاهر وهو لم يكن من الائمة العظام بل من متكلمي الشافعية و له جهد مشكور غير ان هذا رايه و كان فيه حدة و تطرف في الراي ومعلوم ان الامور الاعتقادية لا تحال الى الراي بل ينبغي ان يبحث لها عن الدليل القطعي او الخبر الصادق

    فتاكيد من اكد سطحيتها بالمعنى الخاص لا يغني من الحق شيئا فالقران يذكر لفظا حمال اوجه لا قطع فيه على ما تحمل عليه
    ثم و مالنا و لتراث المجوس ....


    فهما ذكرت من عدد العلماء الذين يرون ذلك لا يعدو ذلك كون هؤلاء الخليط من الجغرافيين و المتكلمة و غيرهم لا يبلغون وصولا الى بن حزم و بن تيمية و الرازي و امثالهم فالاجماع هنا اجماع الاجله من العلماء لا عامتهم

    ولست اعلم م بن تيمية حين يثبت ان علم الشرع لا يمنع ان تكون الارض كروية
    ولست هنا مستخدما الارهاب الفكري معك و لكن اضعك فقط في دائرة من هو عالم و من هو اعلم منه و كان بن تيمية موسوعيا عالما باصناف العلم ناقش امورا في الفضائئيات لم يناقشها غيره كنزول الله و العلو و غير ذلك

    ReplyDelete
    Replies
    1. و عليكم السلام دكتور اشكرك على مشاركتك في مدونتي المتواضعة<

      في الحقيقة لو قرأت كلامي فانا علقت على كلام ابن تيمية و لوجدت ان فهمي كان لكلام ابن تيمية مختلف عن فهم عدنان ابراهيم لكلام ابن تيمية و ابن حزم و انت لو قرأت كلامهما لتأكد لك ان كلامهم لا يدعم الارض الكروية من قريب او بعيد<

      لنترك المفسرين و العلماء، ما تقول في الصحابة مثل ابن عباس الذي يثبت في اكثر من حديث منسوب إليه بأنها مسطحة؟ هل ابن تيمية اعلم منه في القرآن كذلك؟ و ماذا عن تلامذته؟

      Delete
  2. السلام عليكم
    قرأت مقالكم بعنوان كلمات عن الدجال .
    فوجدته غنيا جدا من حيث الأفكار التي حواها و التي تستدعي مناقشة عميقة
    لقد اصبت الحق باعتقادك موت عيسى بن مريم ع س . و القرآن الكريم قرر أن من مات لن يعود للدنيا. ما يعني أن نزول عيسى هو ظهور مثيل له في أمة محمد ص .
    الدجال ليس سوى فتنة التنصير
    و يأجوج و مأجوج هم القوى الاستعمارية التي فتكت بالعالم الإسلامي . و قد تحقق بظهور الاستعمار الغربي نبوءة النبي محمد ص ( ويل للعرب ممن شر قد اقترب ) .

    ReplyDelete
  3. عدنان ابراهيم دجال

    ReplyDelete