Wednesday, February 21, 2018

الرد على الدكتور عدنان 3


و عودة إلى دليل عدنان و غيره من المعاصرين بالآية ((يكور الليل على النهار)) أقول أولا ما علاقة يكور الليل على النهار بكروية الأرض، لا علاقة البتة! لم يقل أحد من المفسرين المتقدمين أن هذا له علاقة بكروية الأرض و كذب من ادعى أن المفسرين أن هناك اجماع أن هذه الآية تدل على كروية الأرض و لقد اخطأ عدنان مقلدا غيره من المعاصرين عندما استدلوا بالآية. راجعوا أهل التفسير في تفسير هذه الآية ستجدون الطبري يقول: يغشي هذا على هذا و هذا على هذا كما قال يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليلو قال ابن عباس في رواية: يحمل الليل على النهارو في رواية أخرى: ما نقص من الليل دخل في النهار و ما نقص من النهار دخل في الليلو قال مجاهد: يدهورهو قال قتادة: يغشي هذا هذا و يغشي هذا هذاو السدي: يجيء بالنهار و يذهب بالليل و يجيء بالليل و يذهب بالنهارو قال ابن كثير: سخرهما يجريان متعاقبين لا يقران، كل منهما يطلب الآخر طلبا حثيثا كقوله (يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا) ”. و قريب من هذه الأقوال قال البغوي و الحسن و الكلبي و غيرهم أقوال قريبة أما المعاصرين الذين تأثروا بالعلم الحديث فإنهم استدلوا بالآية لما اختاروه لأنفسهم فقط لإثبات أن القرآن أتى بمعلومة سابقة تسبق جمهور البشر على حد قول ابن عاشور لكن الواقع أن فكرة الأرض الكروية موجودة قبل إنزال القرآن و تلاوته بين البشر و هذا الطبع موجود عند المهتمين بالإعجاز العلمي و قد نوّه على ذلك الدكتور عدنان إبراهيم فجزاه الله خيرا.



أما الزمخشري و هو معروف باعتزاله فقال: والتكوير اللف والليّ، يقال كار العمامة على رأسه، وكوّرها. وفيه أوجه منها أن الليل والنهار خلفة يذهب هذا ويغشى مكانه هذا، وإذا غشي مكانه فكأنما ألبسه ولف عليه كما يلف اللباس على اللابس. ومنه قول ذي الرمة في وصف السراب تلوي الثنايا بأحقيها حواشيه لي الملاء بأبواب التفاريجومنها أنّ كل واحد منهما يغيب الآخر إذا طرأ عليه، فشبه في تغييبه إياه بشيء ظاهر لف عليه ما غيبه عن مطامح الأبصار. ومنها أن هذا يكر على هذا كروراً متتابعاً. فشبه ذلك بتتابع أكوار العمامة بعضها على أثر بعض



و أما الفخر الرازي الذي يقول بكروية الأرض فقال في تفسيره لهذه الآية: ((اختلاف أحوال الليل والنهار وهو المراد ههنا من قوله: ((يُكَوّرُ ٱلَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱلَّيْلِ)) وذلك لأن النور والظلمة عسكران مهيبان عظيمان، وفي كل يوم يغلب هذا ذاك تارة، وذلك هذا أخرى. وذلك يدل على أن كل واحد منهما مغلوب مقهور، ولا بد من غالب قاهر لهما يكونان تحت تدبيره وقهره وهو الله سبحانه وتعالى، والمراد من هذا التكوير أنه يزيد في كل واحد منهما بقدر ما ينقص عن الآخر، والمراد من تكوير الليل والنهار ما ورد في الحديث: " نعوذ الله من الحور بعد الكور " أي: من الإدبار بعد الإقبال، واعلم أنه سبحانه وتعالى عبر عن هذا المعنى بقوله:  ((يُكَوّرُ ٱلَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ)) وبقوله: ((يغشى الليل النهار)) [الأعراف: 54] وبقوله: ((يُولِجُ ٱلَّيْلَ فِى ٱلنَّهَارِ)) [فاطر: 13] وبقوله: ((وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ )) و لو أن الآية كانت نصا و اقوى دليل على كروية الأرض فما بال الرازي و هو الذين يدعمون نظرية الأرض المكورة لم يستخدمها كدليل! أقول لعزيزي الدكتور و من مثله من العلماء المعاصرين كما قالوا عن مخالفي النظرية التي تبنوها لأنفسهم: هل أنتم أعلم من الفخر الرازي و كبار المفسرين في التفسير؟



و في تفسير السمرقندي: (( يُكَوّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ)) قال مجاهد يعني يدهور الليل على النهار ((وَيُكَوّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ)) يعني يدور النهار على الليل وقال مقاتل: يكور يعني يسلط عليه، وهو انتقاص كل واحد منهما من صاحبه، وقال الكلبي يكور يعني: يزيد من النهار في الليل، فيكون الليل أطول من النهار، ويزيد من الليل في النهار فيكون النهار أطول من الليل هذا يأخذ من هذا، وهذا يأخذ من هذا، وقال القتبي: يُكَوِّرُ يعني: يدخل هذا على هذا، وأصل التكوير اللف والجمع، ومنه كور العمامة، ومنه قوله ((إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ)) ”



أما الماوردي الذي هو ينقل عادة الأقوال و الأوجه التي قيلت في تفسير الآية فقال: قوله عز وجل: { يكوِّر الليل على النهار ويكور النهار على الليل } فيه ثلاثة أوجه:  أحدها: يحمل الليل على النهار، ويحمل النهار على الليل، قاله ابن عباس.  الثاني: يغشى الليل على النهار فيذهب ضوءَه، ويغشى النهارعلى الليل فيذهب ظلمته، قاله قتادة.  الثالث: هو نقصان أحدهما عن الآخر، فيعود نقصان الليل في زيادة النهار ونقصان النهار في زيادة الليل، قاله الضحاك.  ويحتمل رابعاً: يجمع الليل حتى ينتشر النهار، ويجمع النهار حتى ينتشر الليل.و لم يذكر الماوردي أي شيء له علاقة بكروية الأرض أو فسر التكور كما يفسره العلماء اليوم و لا حول و لا قوة إلا بالله!



و أما سلطان العلماء العز بن عبدالسلام فقال: ((يُكَوِّرُ الَّيْلَ)) يحمل كل واحد منهما على الآخر، أو يغشي الليل على النهار فيذهب ضوءه ويغشي النهار على الليل فتذهب ظلمته، أو يرد نقصان كل واحد منهما في زيادة الآخرة)) و أما في تفسير أبو السعود الذي استدل به عدنان فإنه في الواقع أتى بشيء يثبت حركة السماء كما في نظرية القبة السماوية فقال: بـيانٌ لكيفيَّةِ تصرُّفةِ تعالى فيهما بعد بـيان خلقِهما فإنَّ حدوثَ اللَّيلِ والنَّهارِ في الأرض منوطٌ بتحريك السَّمواتِ أي يغشى كلُّ واحدٍ منُهما الآخرَ كأنَّه يلفه عليه لفَّ اللباسِ على اللاَّبسِ أو يُغيبه به كما يُغيَّبُ الملفوفُ باللُّفافةِ أو يجعله كارَّاً عليه كُروراً متتابعاً تتابع أكوارِ العمامةِو أما بن عرفة فقال: الآية تدل على أن السماء كروية. لأن من لوازم تكويرهما تكوير محلهما لاستحالة تعلقهما دون مكان



و كثير من المفسرين قالوا أشياء تشبه ما ذكرت فمن أين الإجماع على أن الآية دليل على كروية الأرض، بل أين وجه الدليل أساسا؟ إلا ما أتى به بعض المعاصرين ثم قلده الدكتور عدنان حفظه و غيره و زعموا أنه لا يمكن التكوير إلا إذا كانت الأرض كروية! ما هذا الخطأ الفاحش! إنك لو تخيلت حركة الليل و النهار كما هو معروف في شعار أو رمز الين و اليانغ على الأرض المسطحة لوجدت ذلك على الأقل أقرب لمعنى يكور الليل على النهار و أقرب إلى كور العمامة! و إنك إن أخذت كروية السماء و أنها موضع الليل و النهار لوجدت ذلك متفق كذلك كما قال ابن عرفة و لو جمعتهما متفق كذلك، فكل هذه يمكن و يتفق تماما مع الآية فلماذا الزعم بلا علم أنه لا يمكن أن يكون إلا على أرض كروية و لم يقل بذلك أحد من المفسرين الأوائل أو قال ذلك علماء الفلك و الهيئة بل حتى الرازي لم يقل ذلك أو القائلين بكروية الأرض من المتقدمين!



ثم ماذا تقولون في قوله: ((إذا الشمس كورت)) أليس أكثر المفسرين ذهاب ضوئها أو جمعها حتى يذهب ضوئها؟ أو أن الشمس الآن ليست كروية فيجعلها الله عند قيام الساعة مكورة؟ ثم من قال أن الليل و النهار مجرد مناظير أقصد قولهم أنه ليس له حقيقة مادية بل هو عبارة عن طلوع الشمس أو غروبها؟ من قال ذلك؟ هل هناك إجماع في هذا الكلام أيضا؟ ماذا لو أن الليل و النهار خلقهما الله قبل السماوات و الأرض؟ هل فكرت بذلك يا دكتور من قبل؟ لماذا لا يكون كذلك؟ ألا ترى أن في كثير من الآيات يقدم الله الليل و النهار على الشمس و القمر؟ أليس في بداية سورة الزمر كأن هناك ترتيب للخلق إذ قال الله سبحانه و تعالى:



{ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } * { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } * { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } * { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ وَسَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُـلٌّ يَجْرِي لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ } * { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ)) ألم يقل الله عز و جل: ((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)) أليس هو القائل في سورة الأنعام: ((قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ )) و قوله: ((وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ“)) أنا لا أنكر أن هناك علاقة بين الشمس و القمر و الليل و النهار و لكن هذا لا يعني أن نفسر الآيات كما فسرها الإخوة قبل أن يتفكروا في كتاب الله و يتدبروها بتمعن! ثم لاحظ أن الليل و النهار و الشمس و القمر كل في فلك يسبحون و لم أجد في القرآن إضافة الأرض إليها أو أنها في فلك تسبح و هذا جدير بالتأمل!



و سبحان الله الذي وجدته في القرآن وجدت ما يطابقه في التوارة أو العهد القديم، أن الله خلق الليل و النهار قبل الشمس و القمر، و بما أني تكلمت عن التوراة لقد أثبت الدكتور عدنان إبراهيم و لله الحمد أن ظاهر التوراة أو العهد القديم أن الأرض مسطحة! و هذا تماما ما قلته في مقالتي السابقة، أن التوراة تقول الأرض مسطحة و كذلك القرآن لكن للأسف من جهل النصارى و المسلمين أن كل واحد منهم يسخر من الطرف الآخر زاعمين أنه ضد العلم، فعدنان و غيره يزعمون أن التوراة مخالف للعلم و أن في التوراة الأرض مسطحة و كذلك يفعل النصارى فيطعنون في القرآن لأن القرآن يقول أن الأرض مسطحة و لم يشكك أي منهما في نظرية الأرض الكروية و إن هذا لشيء مؤسف.



ثم إن قال الدكتور عدنان أو غيره أن التوراة محرفة فأطالبه بالأدلة، و هذا عزيز و سيصعب عليه، و لكن لنفترض تنزلا أنها محرفة أقول لماذا لم ينكر الله أي شيء ذكره التوراة بشأن خلق السماوات و الأرض بل ظاهرهما متطابقان و متفقان تماما! بخلاف قوله عن استراحة الرب في العهد القديم فإنه حصل خطأ في الفهم عندهم فقال الله في القرآن: ((و ما مسنا من لغوب)) و كذلك عن سليمان فقال ((و ما كفر سليمان)) و كذلك عن المسيح فنفى التثليث أو أنه ولده و هكذا. فلماذا لم ينفي القرآن المعلومات التي أتت بها التوراة أو العهد القديم بشأن خلق السماوات و الأرض و شكلها! سبحان الله صدق الله إذ قال: ((قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ))

No comments:

Post a Comment